صباح أحد أيام صيف 1993 حيث عائلة عاشور مازالوا مستوطنين في شقتنا وأكلنا الجوع كعادة كل أيام القحط التي نمر بها هذه الحقبة الزمنية من أعمارنا.....
دعاء: نفسي أوي أكل فراخ
منال: أه ويا سلام كدة لو محمرة في صينية في الفن وعليها ترانشات بطاطس بقشرها طماطم وفلفل أخضر
محمد موسى: بس متنسوووش في الحلم حلقات البصل المحروق في قعر الصينية عشان أنا بحبه أوي
شادن: تيجوا نجيب فراخ مشوية على الغداء انهاردة
أهيلة: وليه الاسراف دة.... الفرخة الجاهزة مش أقل من 10 جنيه دلوقت... هاتوا فرخة من السوق وأنا أطبخها لكم... حنقف علينا أوفر بكتير
حمادة: محدش شاف جمالك ودلالك انت وهي.... دة انتم شحاتين عكوش ثن اللقمة... وعلى رأي طنط أمينة (طنط أمينة تبقى مامة عائلة عاشور بس لما تيجي سيرتها برضه أولادها بيقولوا طنط أمينة زينا... مش ماما).... "بكرة يا حمادة تفشل في دراستك ويرفدوووك من الجامعة طول ما انت ماشي ورا محمد موسى... وحيشغلك خدام عنده وتيجي تترجاني وتشحت مني وتقول... لقمة يا ماما... لقمة يا ماما..."
منال:هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها..... سيبك من طنط أمينة وأمثالها الشعبية دلوقت... أحنا معانا فلوس على أد فرخة وممكن فرختين بس لو صرفنا المبلغ كله مرة واحدة مش حينفع نجيب فراخ بقية الشهر
دعاء: خلاص... يبقى نجيب كتكوتين واحد ولد والثاني بنت ونربيهم لحد ما يكبروا ويبقوا فرخة وديك ولما يبيضوا لنا كتاكيت تاني نبقى ناكلهم وهكذا لحد ا يبقى عندنا فراخ كثير وممكن نبيع للجيران كمان
منال: فكرة... وحنأكلهم فتافيت العيش بتاعنا... (كنت بشوف تيتة بتعمل كدة زمان مع الفراخ بتاعتها)
وبالفعل دعاء وشادن انطلقوا في نفس اليوم الى سوق زنانيري لشراء كتكوتين تكلفة الكتكوت 25 قرش فقط
وبينما نحن جميعا بما فينا أطفال الجيران تغمرنا السعادة لوجود ضيوف جدد معنا في المنزل كان كل من محمد موسى وحمادة عاشور بيقصقصوا في كرتونة قديمة لقيناها في غرفة الكراكيب... في محاولة منهما لعمل منزل صغيرة فيه فتحة باب وفتحتين شباك للكتكوتين اضافة الى فتحة أعلى الكرتونة عشان ينزلوا منها سلك كهرباء في أخره لمبة كمصدر اضاءة داخل منزل الكتاكيت....
وبعد مرور ساعتين.... رن جرس الباب.... معن جري يفتح الباب ودخلت دعاء وشادن وعاهم كتكوتين بس ملونين مش أفر كما جرت العادة... أتاري الستات الفلاحات في السوق بيلونوهم بألوان فوسفورية عشان يجذبوا الناس بالمرة يكسبوا فيهم أكثر لأن الكتكوت الأصفر العادي ب 25 قرش بس لكن الكتكوت الملون ب 35 قرش
الكتكوتين كانوا واحد أخضر فوسفوري والثاني فوشيا وكمان دعاء وشادن اشتروا كيس برغل عشان يأكلوهم ويغذوهم ويكبروا بسرعة ويبقوا فراخ
أصبح الكتكوتان زيهم زي أي فرد في البيت... بيتحركوا بكامل حريته ويبعثروا حبوب البرغل في كل شبر في البيت وبيجروا في ذيل أي حد معدي من الصالة رايح المطبخ أو خارج من احدى الغرف تجه الى الحمام...
الطريف ان معن ابن طنط وهيبة واللي كان وقتها لم يتجاوز السادسة من عمره لابس شورت أصفر.... والكتاكيت رايحة جاية وراه هو بالذات في كل شبر في الشقة....
معن: في ايه... سيبوني بقى... أنا خايف يا منالووووتي هم ماشيين ورايا ليه؟!!!!
منال: معلش يا معن يا حبيبي.... أصل انت لابس شورت أصفر فأكيد هم فاكرينك كتكوت من اخواتهم علشان الكتاكيت أصلا بيتولدوا لونهم أصفر
ولأن بالليل كنا بنقلق عليهم ليكونوا بيناموا بردانين بقينا بنغطي الكرتونة ببطانية سرير ماما (اللي جبناها من السندرة بتاعة فرش السراير الشتوي) ولو اننا كنا في الصيف بس كان الرأي اللي اجتمعنا عليه ان الكتاكيت لسة صغيرة وأكيد حساسيتها للبرد والحر مختلفة عننا احنا الكبار....
أما أحمد ولأنه كان منتظم في تمارين الجيم ورفع الأثقال اللي اتعلم سكته من مازن ومهند أولاد طنط وهيبة في الشقة اللي تحتنا.... تميز أحمد بالعضلات والمجانص والتي لم يتوانى لحظة في استعراضها أمام أي مراية في الشقة... وعشان يستعرضها صح ويتأكد ان كل عضلة تنمو بالمعدل المطلوب كان قاعد لنا بالمايوه طول النهار في البيت
شادن: يا ابني أستر نفسك والبس لك حاجة بدل ما انت قاعد لنا عريان طول النهار كدة... الجيران في البلكونات شايفينك... يقولوا علينا ايه... بيت منحل؟!!!!
دعاء: هم لسة حيقولوا؟!!! دوول متأكدين من كدة
أحمد: مش لابس.... واللي حيعترض حشيله وأهزه يمين وشمال بدل الحديد اللي البت صفاء ضيعته وهي بتنظف البيت (صفاء دي يا عيني بنت صغيرة بابا جابها لنا تنظف البيت وتغسل الغسيل بس أحمد وحمادة عاشور محدثين النعمة كانوا مشغلينها صخرة في البيت في الأوقات اللي بابا وماما مسافرين فيها.... يصحوا الصبح من النوم وتبدأ وصلة المنادية على البنت الغلبانة من كل غرفة في نفس الوقت.... صفااااااااااااااء.. اعملي لي نسكافه..... صفاااااااااااااااء..... عايز سندوتش جبنة بس سخني العيش.... صفاااااااااااااااااء..... حضري لي كباية شاي بلبن وهاتي لي معاه باكو بسكوت..... صفاااااااء.... صفاااااااااااء... صفاااااااااااء..... والبنت يا عيني مش عارفة ترد علي مين ولا مين ولا تروح فين وتيجي منين)...
شادن: حرام عليك.... صفاء ذنبها ايه؟
أحمد: هو دة النظام.... انت يا بت يا صفاء... عندك أخر فرصة انهاردة تغطسي وتقبي بالحديد بتاعي... واذا كنت أكلتيه عشان مفيش أكل في البيت دة.. اعترفي.... وأنا أسامحك....
بس أحمد المفتري على البت الغلبانة نال عقابه في غضون أيام قليلة لما صحي من النوم فجأة لقى نفسه اتقلب من فوق السرير وهو نايم فوق كتكوت كان معدي جنب السرير وقتها لاجل بخته المأندل....
لقينا أحمد بيعيط وبينده لنا بذعر "الحقوا الكتكوت... أنا وقعت عليه غصب عني طبقته"
وفي حركة تلقائية وسريعة انكبت صفاء على فم الكتكوت قال بتعمل عملية انقاذ بتنفس صناعي (باين علينا بهتنا على البنت بتصرفاتنا السينمائية دي من غير ما تحس) حاولت مرة واثنين وثلاثة لكن دون جدوى
الكتكوت فطس وأصبح لا حجم له... زي ما يكون راقة ورقة لا ارتفاع في أبعادها وكما يحدث عندما تمر عربة فوق توم أو جيري في أفلام الكرتون فتكون أجسادهم والأرض سطح واحد.....
وأصاب أحمد حالة من الاكتئاب وتأنيب الضمير لمدة أسبوعين وكل شوية يقول لنا "أنا السبب... أنا قاتل... أنا مجرم..."
ولكن يبقى أن أعترف ان سر حبنا وتألفنا السريع مع كل الحيوانات الأليفة وخصوصا الصغار منها هو بابا الله يرحمه واللي حرص أشد الحرص على غرز حب الحيوانات والنباتات وكل الأشياء في قلوبنا بحرصه على اقتناء القطط والعصافير والأرانب والببغاوات في بيتنا طوال الوقت.... لدرجة انه مرة جالنا بالليل تأخر ومعاه معزة بيبي لسة مولودة وهزيلة جدا عشان اخواتها بيزاحوها في شرب اللبن من مامتهم وهي لأنها مولودة ضعيفة شويتين مش عارفة تعافر مع اخواتها....
اشترينالها ببرونة ولبن وتناوبنا جميعا مع بابا في السهر على ارضاعها لحد ماكبرت شوية وبعدين رجعناها المزرعة....
المزرعة دي كانت حلم بابا القديم اللي ياما تخيلناه معه واحنا أطفال صغيرين كل يوم واحنا رايحين جايين المدرسة... وبابا يحكي لنا انه حيبني لنا فيها بيت جميل بدورين... وحتبقى كلها مزروعة شجر وورود كل الألوان وتخيلنا انه يا سلااااام... يبقى أكيد حيكون في فراشات كثيرة بكل الألوان بتطير وتقف على الورود... وكمان كان بيحكي لنا انه حيبني لنا فيها حمام سباحة واحنا نقوله "بس يكون كبير زي الفنادق يا بابا... يعني المية مليانة لأخره وطالعة برة السور بتاعه كمان".... أصل زمان كنا متعودين ان حمامات السباحة كلها عبارة عن تجويف مليان مية بس دايما المية مش للأخر وان الفنادق بس اللي بتحرص على امتلاء حمامات السباحة فيها للأخر"
وبابا يقول لنا "حاضر... حمام سباحة زي الفنادق... وكمان حعملكم ملعب تنس واصطبل خيول...." ونسرح بخيالنا كل واحد فينا حصانه لونه ايه واسمه ايه كمان....
تحقق حلم بابا بعد سنوات طويلة لكن يا دووووب 8 فدادين ما زلنا نستصلحهم وكوخ من الطين شبابيكه من الخوص والبوص لكن مازلنا حريصين على قضاء يوم شم النسيم هناك في صحبة خالتي وأولادها وأي أصدقاء لنا يتزامن وجودهم معانا في يوم شم النسيم.... نأكل رنجة وفسيخ ونشرب شاي بالنعناع على نار حطب ونتمرجح على سراير قاش مربوطة في الشجر وطبعا لا يفوتنا التقاط الصور وسط ضحك ولعب أطفال الفلاحين جيراننا ولو ان أهاليهم طلعوا عيننا في أقسام البوليس والمحاضر والشكاوي في أسلوب غير باشر لتطفيشنا من الأرض ونبيعها لهم....
ولما مرة ظبطناهم بيروا أرضهم باستخدام مكنة الري بتاعتنا وقفت اتخانقت معاهم وفجأة ودون سابق انذار لقيت الراجل جارنا دة بيزعق لي بعلو صوته ويهددني "انت ولية مهندسة... اتلمي بدل ما أشتمك أحسن لك.... "
احنا سمعنا كلمة "ولية مهندسة" من هنا وانبطحنا على الأرض من كثرة الضحك من هنا أنا واخواتي وأصحابي... مقدرناش نمسك نفسنا ولا أكننا كنا بنتخانق ونتشحتف على مكنة الري اللي بيروي بيها الزرع بتاعه بدون استئذاننا....
LOL…. LOL…. LOL…. LOL…. LOL