الخميس، 1 أبريل 2010

في بيتنا كتكوووووووووووت

صباح أحد أيام صيف 1993 حيث عائلة عاشور مازالوا مستوطنين في شقتنا وأكلنا الجوع كعادة كل أيام القحط التي نمر بها هذه الحقبة الزمنية من أعمارنا.....

دعاء: نفسي أوي أكل فراخ
منال: أه ويا سلام كدة لو محمرة في صينية في الفن وعليها ترانشات بطاطس بقشرها طماطم وفلفل أخضر
محمد موسى: بس متنسوووش في الحلم حلقات البصل المحروق في قعر الصينية عشان أنا بحبه أوي
شادن: تيجوا نجيب فراخ مشوية على الغداء انهاردة
أهيلة: وليه الاسراف دة.... الفرخة الجاهزة مش أقل من 10 جنيه دلوقت... هاتوا فرخة من السوق وأنا أطبخها لكم... حنقف علينا أوفر بكتير
حمادة: محدش شاف جمالك ودلالك انت وهي.... دة انتم شحاتين عكوش ثن اللقمة... وعلى رأي طنط أمينة (طنط أمينة تبقى مامة عائلة عاشور بس لما تيجي سيرتها برضه أولادها بيقولوا طنط أمينة زينا... مش ماما).... "بكرة يا حمادة تفشل في دراستك ويرفدوووك من الجامعة طول ما انت ماشي ورا محمد موسى... وحيشغلك خدام عنده وتيجي تترجاني وتشحت مني وتقول... لقمة يا ماما... لقمة يا ماما..."
منال:هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها..... سيبك من طنط أمينة وأمثالها الشعبية دلوقت... أحنا معانا فلوس على أد فرخة وممكن فرختين بس لو صرفنا المبلغ كله مرة واحدة مش حينفع نجيب فراخ بقية الشهر
دعاء: خلاص... يبقى نجيب كتكوتين واحد ولد والثاني بنت ونربيهم لحد ما يكبروا ويبقوا فرخة وديك ولما يبيضوا لنا كتاكيت تاني نبقى ناكلهم وهكذا لحد ا يبقى عندنا فراخ كثير وممكن نبيع للجيران كمان
منال: فكرة... وحنأكلهم فتافيت العيش بتاعنا... (كنت بشوف تيتة بتعمل كدة زمان مع الفراخ بتاعتها)

وبالفعل دعاء وشادن انطلقوا في نفس اليوم الى سوق زنانيري لشراء كتكوتين تكلفة الكتكوت 25 قرش فقط
وبينما نحن جميعا بما فينا أطفال الجيران تغمرنا السعادة لوجود ضيوف جدد معنا في المنزل كان كل من محمد موسى وحمادة عاشور بيقصقصوا في كرتونة قديمة لقيناها في غرفة الكراكيب... في محاولة منهما لعمل منزل صغيرة فيه فتحة باب وفتحتين شباك للكتكوتين اضافة الى فتحة أعلى الكرتونة عشان ينزلوا منها سلك كهرباء في أخره لمبة كمصدر اضاءة داخل منزل الكتاكيت....

وبعد مرور ساعتين.... رن جرس الباب.... معن جري يفتح الباب ودخلت دعاء وشادن وعاهم كتكوتين بس ملونين مش أفر كما جرت العادة... أتاري الستات الفلاحات في السوق بيلونوهم بألوان فوسفورية عشان يجذبوا الناس بالمرة يكسبوا فيهم أكثر لأن الكتكوت الأصفر العادي ب 25 قرش بس لكن الكتكوت الملون ب 35 قرش
الكتكوتين كانوا واحد أخضر فوسفوري والثاني فوشيا وكمان دعاء وشادن اشتروا كيس برغل عشان يأكلوهم ويغذوهم ويكبروا بسرعة ويبقوا فراخ

أصبح الكتكوتان زيهم زي أي فرد في البيت... بيتحركوا بكامل حريته ويبعثروا حبوب البرغل في كل شبر في البيت وبيجروا في ذيل أي حد معدي من الصالة رايح المطبخ أو خارج من احدى الغرف تجه الى الحمام...
الطريف ان معن ابن طنط وهيبة واللي كان وقتها لم يتجاوز السادسة من عمره لابس شورت أصفر.... والكتاكيت رايحة جاية وراه هو بالذات في كل شبر في الشقة....

معن: في ايه... سيبوني بقى... أنا خايف يا منالووووتي هم ماشيين ورايا ليه؟!!!!
منال: معلش يا معن يا حبيبي.... أصل انت لابس شورت أصفر فأكيد هم فاكرينك كتكوت من اخواتهم علشان الكتاكيت أصلا بيتولدوا لونهم أصفر

ولأن بالليل كنا بنقلق عليهم ليكونوا بيناموا بردانين بقينا بنغطي الكرتونة ببطانية سرير ماما (اللي جبناها من السندرة بتاعة فرش السراير الشتوي) ولو اننا كنا في الصيف بس كان الرأي اللي اجتمعنا عليه ان الكتاكيت لسة صغيرة وأكيد حساسيتها للبرد والحر مختلفة عننا احنا الكبار....

أما أحمد ولأنه كان منتظم في تمارين الجيم ورفع الأثقال اللي اتعلم سكته من مازن ومهند أولاد طنط وهيبة في الشقة اللي تحتنا.... تميز أحمد بالعضلات والمجانص والتي لم يتوانى لحظة في استعراضها أمام أي مراية في الشقة... وعشان يستعرضها صح ويتأكد ان كل عضلة تنمو بالمعدل المطلوب كان قاعد لنا بالمايوه طول النهار في البيت

شادن: يا ابني أستر نفسك والبس لك حاجة بدل ما انت قاعد لنا عريان طول النهار كدة... الجيران في البلكونات شايفينك... يقولوا علينا ايه... بيت منحل؟!!!!
دعاء: هم لسة حيقولوا؟!!! دوول متأكدين من كدة
أحمد: مش لابس.... واللي حيعترض حشيله وأهزه يمين وشمال بدل الحديد اللي البت صفاء ضيعته وهي بتنظف البيت (صفاء دي يا عيني بنت صغيرة بابا جابها لنا تنظف البيت وتغسل الغسيل بس أحمد وحمادة عاشور محدثين النعمة كانوا مشغلينها صخرة في البيت في الأوقات اللي بابا وماما مسافرين فيها.... يصحوا الصبح من النوم وتبدأ وصلة المنادية على البنت الغلبانة من كل غرفة في نفس الوقت.... صفااااااااااااااء.. اعملي لي نسكافه..... صفاااااااااااااااء..... عايز سندوتش جبنة بس سخني العيش.... صفاااااااااااااااااء..... حضري لي كباية شاي بلبن وهاتي لي معاه باكو بسكوت..... صفاااااااء.... صفاااااااااااء... صفاااااااااااء..... والبنت يا عيني مش عارفة ترد علي مين ولا مين ولا تروح فين وتيجي منين)...
شادن: حرام عليك.... صفاء ذنبها ايه؟
أحمد: هو دة النظام.... انت يا بت يا صفاء... عندك أخر فرصة انهاردة تغطسي وتقبي بالحديد بتاعي... واذا كنت أكلتيه عشان مفيش أكل في البيت دة.. اعترفي.... وأنا أسامحك....

بس أحمد المفتري على البت الغلبانة نال عقابه في غضون أيام قليلة لما صحي من النوم فجأة لقى نفسه اتقلب من فوق السرير وهو نايم فوق كتكوت كان معدي جنب السرير وقتها لاجل بخته المأندل....
لقينا أحمد بيعيط وبينده لنا بذعر "الحقوا الكتكوت... أنا وقعت عليه غصب عني طبقته"
وفي حركة تلقائية وسريعة انكبت صفاء على فم الكتكوت قال بتعمل عملية انقاذ بتنفس صناعي (باين علينا بهتنا على البنت بتصرفاتنا السينمائية دي من غير ما تحس) حاولت مرة واثنين وثلاثة لكن دون جدوى
الكتكوت فطس وأصبح لا حجم له... زي ما يكون راقة ورقة لا ارتفاع في أبعادها وكما يحدث عندما تمر عربة فوق توم أو جيري في أفلام الكرتون فتكون أجسادهم والأرض سطح واحد.....

وأصاب أحمد حالة من الاكتئاب وتأنيب الضمير لمدة أسبوعين وكل شوية يقول لنا "أنا السبب... أنا قاتل... أنا مجرم..."

ولكن يبقى أن أعترف ان سر حبنا وتألفنا السريع مع كل الحيوانات الأليفة وخصوصا الصغار منها هو بابا الله يرحمه واللي حرص أشد الحرص على غرز حب الحيوانات والنباتات وكل الأشياء في قلوبنا بحرصه على اقتناء القطط والعصافير والأرانب والببغاوات في بيتنا طوال الوقت.... لدرجة انه مرة جالنا بالليل تأخر ومعاه معزة بيبي لسة مولودة وهزيلة جدا عشان اخواتها بيزاحوها في شرب اللبن من مامتهم وهي لأنها مولودة ضعيفة شويتين مش عارفة تعافر مع اخواتها....
اشترينالها ببرونة ولبن وتناوبنا جميعا مع بابا في السهر على ارضاعها لحد ماكبرت شوية وبعدين رجعناها المزرعة....

المزرعة دي كانت حلم بابا القديم اللي ياما تخيلناه معه واحنا أطفال صغيرين كل يوم واحنا رايحين جايين المدرسة... وبابا يحكي لنا انه حيبني لنا فيها بيت جميل بدورين... وحتبقى كلها مزروعة شجر وورود كل الألوان وتخيلنا انه يا سلااااام... يبقى أكيد حيكون في فراشات كثيرة بكل الألوان بتطير وتقف على الورود... وكمان كان بيحكي لنا انه حيبني لنا فيها حمام سباحة واحنا نقوله "بس يكون كبير زي الفنادق يا بابا... يعني المية مليانة لأخره وطالعة برة السور بتاعه كمان".... أصل زمان كنا متعودين ان حمامات السباحة كلها عبارة عن تجويف مليان مية بس دايما المية مش للأخر وان الفنادق بس اللي بتحرص على امتلاء حمامات السباحة فيها للأخر"
وبابا يقول لنا "حاضر... حمام سباحة زي الفنادق... وكمان حعملكم ملعب تنس واصطبل خيول...." ونسرح بخيالنا كل واحد فينا حصانه لونه ايه واسمه ايه كمان....

تحقق حلم بابا بعد سنوات طويلة لكن يا دووووب 8 فدادين ما زلنا نستصلحهم وكوخ من الطين شبابيكه من الخوص والبوص لكن مازلنا حريصين على قضاء يوم شم النسيم هناك في صحبة خالتي وأولادها وأي أصدقاء لنا يتزامن وجودهم معانا في يوم شم النسيم.... نأكل رنجة وفسيخ ونشرب شاي بالنعناع على نار حطب ونتمرجح على سراير قاش مربوطة في الشجر وطبعا لا يفوتنا التقاط الصور وسط ضحك ولعب أطفال الفلاحين جيراننا ولو ان أهاليهم طلعوا عيننا في أقسام البوليس والمحاضر والشكاوي في أسلوب غير باشر لتطفيشنا من الأرض ونبيعها لهم....
ولما مرة ظبطناهم بيروا أرضهم باستخدام مكنة الري بتاعتنا وقفت اتخانقت معاهم وفجأة ودون سابق انذار لقيت الراجل جارنا دة بيزعق لي بعلو صوته ويهددني "انت ولية مهندسة... اتلمي بدل ما أشتمك أحسن لك.... "
احنا سمعنا كلمة "ولية مهندسة" من هنا وانبطحنا على الأرض من كثرة الضحك من هنا أنا واخواتي وأصحابي... مقدرناش نمسك نفسنا ولا أكننا كنا بنتخانق ونتشحتف على مكنة الري اللي بيروي بيها الزرع بتاعه بدون استئذاننا....

LOL…. LOL…. LOL…. LOL…. LOL

ديسمبر سنة 1992.... وسهرة رأس السنة عند سيد صواريخ

مرة في أخر أسبوع من شهر ديسمبر سنة 1992 رن جرس التلفون (أيامها كان تلفون المصلحة وكان لونه رصاصي بقرص مدور عشان نلف أرقام التلفون واحنا بنتصل)

حمادة عاشوووووور: هااااااااااااااي..... احنا جايين لكم اسكندرية بكرة ان شاء الله
منال: هاهاهاهاهاهاهاهاها.... أوكي مستنيينكم وبالمرة نقضي ليلة رأس السنة مع بعضنا

في السنة دي كناش لسة نعرف نادية السنوسي.... صديقة عائلة عاشور في القاهرة... بس من كثر ما احنا وعائلة عاشور كنا واخدين على بعض أوي لأننا تقريبا متربيين سوى... كان عادي جدا انهم يعزموا أصحابه عندنا ليقيموا بشكل كامل في بيتنا....وأكننا كلنا أصحاب من زمان برضه
بس نادية السنوسي الى حد ماما كانت شخصية طبيعية... جالها انهيار عصبي لما شافتنا احنا وعائلة عاشور ملمووومين على بعض... اعتبرت اننا كائنات هلامية... أكيد جايين من كوكب تاني بس ال UFO اللي اللي كنا راكبينه اصطدم بكوكب الأرض بطريق الخطأ وقال يعني بقى عشان احنا معندناش فكرة اننا نصلحه اضطرينا للتأقلم مع سكان كوكب الأرض

شادن: ها يا حلوة منك ليها... ايه الخروجة اللي حضرينها لنا ليلة رأس السنة؟ شكلكم موكوسين وحتوكسووونا عاكم زي كل مرة
نادية: هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها.... وانتم بقة متعودين تسهروا في مكان زي بقية سكان كوكب الأرض ولا نظام أبو 30 قرش... وأنا عايز منك 1/2 جنيه من امبارح.... وناويين تفضحوووناااااا؟
منال: لا لاااااااااااا
معانا فلوس المرة دي الحمد لله.... ايه رأيكم في فندق فلسطين في المنتزة؟ أنا مرة كنت هناك الصيف اللي فات وشفت حفلة في الجنينة المفتوحة على البحر.... المنظر كان حلو أوي.... وأكيد حيكرروا الحفلة ليلة رأس السنة... مش معقول يفووتوهم ناسبة زي دي للاحتفال بيها (وكان أيامها فندق فلسطين أكبر وأفخم فندق في اسكندرية كلها.... على أد معلوماتي وقتها)
موسى وحمادة: أيوة أكيد حتكون سهرة نوبل عشان على البحر

وقمنا جرينا كلنا زي النحل في الخلية اللي ياخد دوش واللي بيسنفر بشرته بالكريمات واللي ملحوس وجه بماسك الزبادي واللي ممدد على السرير بيسترخي وغطي عينيه بالخيار واللي بيغسل هدومه واللي بيكوي في محاولة جدية مننا اننا نكون بنبرق ونلمع في سهرة ليلة رأس السنة....
وفي تمام الثانة مساء كنا كلنا ناس تانية خالص.... نجوم سينما....
ونزلنا أخدنا عربية بابا اللي برضه بنستعملها من وراه... المهم اننا اتحشرنا كلنا في العربية وكنا تقريبا 8 أو 7 أفراد... ازاي ش عارفة... بس زمااااااان كان في بركة في كل حاجة
وصلنا المنتزة.... قطعنا تذاكر الدخول وبدأنا نستشف طريقنا الى فندق فلسطين... دخلنا الفندق وسألنا على حفلة رأس السنة في الجنينة المفتوحة على البحر...
أجابنا موظف الاستقبال: لا يا افندم الحفلة في قاعة مغلقة..... جنينة ايه وبحر ايه في ديسمبر؟!!!!
منال: طيب عيزين تربيزة في القاعة من فضلك
موظف الاستقبال: حضراتكم حاجزين تربيزة؟
حمادة: لأ مش حاجزين
موظف الاستقبال: أنا أسف بس الحفلة محجوزة بالكامل

وبعد ما شكرنا موظف الاستقبال خرجنا من الفندق وركبنا العربية لنجد نادية السنوسي بأعلى صوتها بتقول:
"تصدقوا بالله.... انتم عائلة مجانين وأنا أستاهل كل اللي يجرى لي اني جيت اسكندرية.... حفلة ايه اللي جنينة على البحر في عز الشتاء يا أهبل خلق ربنا في الأرض؟ ومتلمعيينلي ومتأمعيينلي.... جاتكم 60 خيبة على خيبتكم

منال: هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها..... خلاص يا ولية اتسدي.... أنا عندي اقتراح تاني...
حمادة: تاني ايه وتالت ايه... خلاص بقى... أكيد كل الفنادق محجوزة ومش حنلاقي ولا تربيزة فاضية
منال: أصحاب في الكلية قالوا لي مرة في مكان بيبيع سندوتشات فول وفلافل وسجق وبسطرمة حلو أوي في بحري... اسمه سيد صواريخ... ايه رأيك نروح نتعشى هناك... مكان بسيط وأكيد مش حيكون زحمة في ليلة زي دي

جاءت الموافقة جماعية... مش بمزاجنا...ما هومفيش اختيار تاني....
ولأننا في حكم السواح الأجانب... لم نستدل على سيد صواريخ بسهولة وانما بعد اللفلفة في كل حواري وأزقة بحري مسيبناش بني أدم واحد ليلتها ماشي في الشارع غير لما سألناه... سيد صواريخ منين لو سمحت... وموسى هو اللي كان متولي مهمة الاستفسار عن العنوان في خطوات ثابتة كل مرة وهي:

1- انزال زجاج الشباك الأمامي
2- يتنحنح شوية
3- "سلامو عليكم"
4- "سيد صواريخ منين من فضلك"
5- يعقبها أصوات ضحكنا العالية على موسى وهو بيجيب شلل للراجل على ا الكلام يطلع منه ويدلي بسؤاله

نادية: هي سلامو عليك دي هي السبب في التوهان اللي احنا فيه... عارف يا موسى لو قلت سلامو عليكم بعد كدة حطبق في زمارة رقبتك... اسأل على هباب صواريخ بتاعك دة دوغري من غير سلامو عليكم... الهي يوكسكم كلكم... أشوف فيكم يوم

وفي أخر مرة سأل السؤال دة الراجل بص لنا كلنا وشاور لنا على اليافطة في دماغنا " أهه... سيد صواريخ أهه... انتم واقفين قدامه وبتسألوا عليه ؟!!!!! لا حول ولا قوة الا بالله"

طبعا احنا فطسانين من الضحك أصلا على "سلامو عليكم" بتاعة موسى اللي مرضيش يقولها المرة دي... بس احنا برضه تخيلناه بيقولها وضحكنا....
والله أنا متأكدة ان الراجل كان فاكرنا شاربين بانجو.....

أخيرا نزلنا من العربية بعد لفلفة طويلة عريضة ورستأنا نفسنا على تربيزتين في الشارع قدام محل قديم ومحندق.... لكن اللي كان واضح اوي ان الشارع والمحل والتربيزات والكراسي كانت منشزة أوي مع مظهرنا الأبهة

طلبنا السندوتشات... اشي فول واشي فلافل... مش بس كدة... فول بالسجق وبيض بالبسطرمة وفول بالصلصة (بابا الله يرحمه كان بيعمله لنا في البيت وكان بيقول لنا اسمه فول بالتجديعة)
فضلنا تاكل ونطلب وناكل ونشرب مرة حاجة ساقعة ومرة شاي بلبن عشان نبلع السندوتشات... ولما اقتربت عقارب الساعة من 11 ونصف فوجئنا بالصبي اللي بينزل لنا الطلبات بيقول لنا: "خلاص يا افندية.... شطبنا"
واحنا كلنا في صوت واحد: "ليييييييييييه؟!!!!! لسة الساعة مجتش 12"
رد الصبي: "أعمل لكم ايه؟ الأنبوبة خلصت"

وطبعنا عشان احنا جهلة مش فاهمين حاجة في دنيتنا... لا عارفين يعني ايه أنبوبة خلصت ولا ايه ستودع بيقفل بالليل بدري ويفتح تاني يوم الصبح عشان الناس تستبدل الأنابيب الفاضية... ردينا بكل سذاجة وبراءة:
"طيب أوكي حنستناك لما تجيب أنبوبة تانية.. احنا لسة جعانين مشبعناااش"

جاء رد الصبي قاطعا وحاسما المرة دي: "بكرة... الأنبوبة مش حتتغير غير بكرة وعليكم بخير... الحساب يافندية"
وبدأت رحلة الفضايح اياها... لتقطعها نادية السنوسي بجملة واحدة.... "بقول لكم ايه... انا حدفع الحساب كله مرة واحدة وبعدين انتم حاسبوني في البيت... أبوس ايديكم.. كفاية فضايح لحد كدة... مش حنقعد نلملم 35 قرش من هنا و50 قرش من هنا واللي مش لاقي فكة..."

نادية حاسبت ورجعنا البيت تمام الثانية عشر نتصف الليل لنفاجئ واحنا بنركن العربية تحت العمارة بوابل من الزجاج بيتحدف في الشارع من كل بلكونات وشبابيك عمارات الشارع كله.... ودي عادة يونانية قديمة أوي ورثها أهل اسكندرية من سكانها اليونانيين اللي سكنوا مدينة الأسكندرية لسنوات طويلة مضت......

من يومها لم نجرؤ على أن نفكر.... مجرد التفكير اننا نسهر برة البيت ليلة رأس السنة بقى لنا أكثر من 17 سنة فضلنا فيها الاستمتاع بمشاهدة أول اعلان ييجي في التلفزيون على القناة الأولى بعد ما الساعة تدق 12 منتصف الليل عشان عرفنا انه بيكون أغلى اعلان... (مش عارفة الحكاية لسة شغالة الى وقتنا هذا ولا لأ مع ظهور الفضائيات والقنوات التي لا حصر لها)... ومشاهدة الألعاب النارية في السماء من بلكونة الصالة اللي كانت بتنور السماء ليلتها والأطفال اللي بيرموا أكياس نايلون مليانة مية على راس أي حد معدي في الشارع... اضافة الى الناس اللي لسة بيرموا زجاج في الشارع... العادة اليونانية لم تنقطع بعد....

خيبة بالويبة... على رأي عمتو ليلى

الساعة تقترب من الرابعة فجرا.... قلقت من النوم على صوتي وأنا بنطق الشهادتين في انتظار لحظة خروج أخر نفس لي لأجد أني بالفعل نفسي مكتوم بسبب بووووتوووو اللي نايمة بكل ما أوتيت من قوة في الاسترخاء فوق وجهي وصدري بالكامل لتسد كل منافذ التنفس عندي.... ما أنا طبعا لازم أموت بالشكل دة...
منال: قومي يا بوووتوووو... زحزحي كدة شوية... حرام عليكي حتموتييييني ناقصة عمر يا بت....
بوووتووو: مم... مم...امبووووووو
منال: قومي يا بووووتوووووو يالله نروح ناكل مم ونشرب امبو...

جرينا بعضنا احنا الاثنين الى المطبخ... لقينا في سكتنا دعاء وموسى قاعدين بيتناقشوا في شغلي الجديد... دعاء شايفة انه بداية مش وحشة ومع الوقت ممكن شغلي يكبر ويتطور والدخل يكون أكبر بكثير.... لكن وسى شايف انه أي كلام ومش جايب همه ولولا تي شيرتات منير اللي برسمها كان زماني بشحت....

أنا وبووتووووو ظبطناهم قاعدين على تربيزة وكنبتين صغيرين في ملحق صغير بجوار المطبخ متعودين نفطر فيه كل يوم الصبح لقربه من المطبخ المفتوح عليه مباشرة.....

منال: سامعاااااااك يا موسى.... سامعاااااااااك.... أنا شغلي أي كلام؟!!! أنا بستعبط وبضيع وقت في هبل وأي كلااااام؟!!!!!
لعلمك بقى.... بكرة شغلي يكبر... وأبقى مش ملاحقة على الطلبات...
موسى: مش قصدي كدة بس انت معتمدة على أصحابك اللي على الانترنت ودوووول مش كثير
منال: ا هو لو ماما توافق تمولنا برأس المال وتشتري لنا جاليري في مكان كويس حيكون عندنا حركة بيع كل يوم
دعاء: انسي يا بنتي... ماما مش بتثق فيكم ولا يمكن تغامر بفلوسها معاكم
موسى: أنا عن نفسي لا يمكن أشتغل مع ماما.... لها نظام مختلف في كل حاجة وأكيد الشغل حيبووووظ في الأخر بسبب الخلاف في الادارة
منال: خلاص احنا نعمل دراسة بحق وحقيقي لمشروعنا ونحسب كل حاجة بالورقة والقلم وأنا تأكدة ان ماما لما تلاقي الكلام واضح على ورق بالأرقام حتوافق تمولنا... وان كان على الادارة محلولة... ماما تشارك بالفلوس بس وانت لك حق الادارة بالكامل... حتى أنا مليش دعوة بالادارة حتكون شغلتي الرسم وبس... واللي أوله شرط أخره نور....
دعاء: أيوة بس برضه ماما مش حترضى تغامر بفلوسها معاكم
منال: يا بنتي انت مش حتبطلي العادة دي بقى.... متوقفيش المراكب السايرة.... ثم لما المشروع يتطور من مجرد رس التي شيرتات والشنط لرسم المفروشات وسيراميك الأرضيات والموبيليا... ماما أول واحدة حتطلب تمويلنا لأنها عارفة كويس أوي ان حدش بيبطل يفرش بيته أو شاليه المصيف بتاعه... ما بال بقى لما قطعة الموبيليا اللي بتتباع بأد كدة تكون مرسومة بالايد وخصوصا لو كان طاقم أبيسون... شوفوا بقى حيدفع فيه كام...
موسى: أنا موافق بس ابدئي انت في التخطيط والحسابات واديني أنا المهام بتاعتي 1 2 3 وابقي اشتري لي معاك من مكتبة فنون جميلة منشار أركيت عشان أعمل براويز خشب ترسمي عليها
دعاء: طيب ما تروح انت تشتري أدواتك بقى يا موسى
موسى: ما هي منال بتروح المكتبة كدة كدة... تبقى تجيبهولي معاها وأنا أحاسبها
منال: تصدق يا موسى... انت مفيش منك أمل....

وتعالت أصواتنا بالضحك والقهقهة على خيبتنا المحللة واحنا بنأكل بووووتووووو مم والواد طه بيرضع اللبن....

صدقت المقولة اللي بتقول: "هي عادتنا ولا حنشتريها"
ما هو نفس المشهد دة كان متكرر بشكل يومي زماااااان أيام الجامعة لما كنا كل يوم نتجمع على تربيزة السفرة نتناقش ونختلف...
"أنا عايز منك 30 قرش حساب الشيبسي.... وأنا عيزة 40 قرش بقية حساب الأيس كريم... لأ 40 قرش ايه ماحنا حسابنا خالص... ناسية اني حاسبت لك على البيبسي؟ ايه نظا النصب دة؟!!!!"
هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها..... ونفضل كدة لوجه الفجر ووتنا جايب سلالم العمارة وشققها كلها من شباك المنور... وأول ما النور يشقشق نلاقي عم صبري البواب الله يرحمه بيبوس ايدينا ورجلينا... "حرام عليكم... كل يوم تقلقوا منامي للصبح... صوتكم عالي أوي... أنا ورايا صحيان بدري... عندي جرايد ولبن وطلبات رازم أجيبها للعمارة... ارحموني بقى"
وزي كل مرة أرد عليه: "حاضر يا عم صبري أوعدك المرة الجاية نوطي صوتنا"
لكن ولا الهوى.... كل ليلة يبدأ النقاش بهدوء لكن سرعان ما تعلو نبرة الصوت لحد ما يصحى عم صبري تاني ويشتم اليوم اللي اشتغل في عمارتنا فيه....

دعاء جابت نووونوووو جديد

فجر يوم 8/11/2009 رن جرس التلفون...
منال: هااااااااااااااااااي... متقوليش انك بتولدي!!!!
دعاء: أيوة يالله حجيبلك نووونوووو جديد
منال: بجد؟ طيب يالله هاتولنا بووووتووووو وروحي انت وعمارة (محمد عمارة زوج دعاء بس لكثرة محمد في العائلة بنقوله "عمارة") المستشفى وأول ما توصلي تحت البيت كلميني عشان أنزل أخذ بووووتووووو
دعاء: طيب 10 دقائق كدة وانزلي لنا
منال: ماشي... سلام
دعاء: سلام

رزقت دعاء طفلها الثاني صباح ذلك اليوم في تمام العاشرة صباحا... ولد وهو كمان صورة طبق الأصل من بووووتووووو... مع الاختلاف في انه واد زنان أوي... بوووتوووو كانت ملاك بالنسبة له....
بدأت رحلة العناية بالأطفال حيث أقاموا ودعاء بمنزلنا بعد الولادة مباشرة ولمدة أسبوعين...

أنا أتولى رعاية بووتوووو بالنهار ومحمد موسى يستلم المهمة طوال الليل لأنه كائن ليلي... بينما دعاء العامل المشترك بالليل والنهار لأنها المسئولة عن ارضاعهما...
أما ماما فقد قررت التخلي عن الأطفال عقابا لدعاء لأنها وافقت تسمي الطفل "طه" نزولا على رغبة زوجها بينما رفضت ماما هذا الاسم تماما (ليس اعتراضا على الاسم في حد ذاته ولكن لترسبات قديمة بينها وبين زوج دعاء اللي مش قادرة تنسى له أبدا انه كروتها في الجوازة ومدفعش مهر ولا كتب مؤخر ولا قايمة... وحاجات تانية كثير... خليني ساكتة بقى ويارب الكتاب دة ما يقع في ايد ماما ولا جوز دعاء).....

صحيح كلنا استغربنا اسم "طه" بس مهما اختلفنا... في الأول والأخر القرار راجع للأب والأم بس... ابنهم وهم أحرار يسمووه زي ما يعجبهم بس ماما مكنش عاجبها كلامنا دة وشتمتنا كلنا وقالت لنا "صحيح انكم عيال قللات الأدب مش متربيين... أنا أقترح اسم الولد وانتم تكسروا كلامي وتمشوا كلام عمارة"
وسابت لنا الأوضة وخرجت....

دعاء: ماما ملهاش حق تزعل كدة... ما هو عمارة يبقى أبوه وهو حر يسميه الاسم اللي يعجبه
منال: طيب متشوفولكم اسم تاني غير "طه" عشان يعجب ماما
دعاء: على اسم جده
منال: أقول لك... سميه "موسى"... على اسم بابا... أما انك مفكيش خير صحيح... أنا لو كنت كانك كنت سميته على اسم بابا
محمد: أيوة كدة ماما حتفرح
منال: هاهاهاهاهاهاهاها.... يابني انت عبيط؟!!! هي ماما بتحب بابا أصلا؟!!!!
دعاء: لاااا... محمد بقى هو اللي يسمي ابنه "موسى" ان شاء الله... عشان يبقى اسمه موسى محمد موسى
محمد: لأ طبعا... أنا ابني حيبقى اسمه "عيسى" عشان يكون اسمه بالكامل "عيسى محمد موسى"

LOL….. LOL…. LOL… LOL… LOL

حفل سبوع الواد النووونوووو الجديد طه كمان كم يوم... أنا ودعاء نزلنا نشتري شوية لوازم للحفلة... وبالصدفة لقينا نفسنا بنشتري حاجات من محل قريب من شارع عمارتنا القديمة....

منال: ياخسارة... أنا مفتقدة عمارتنا القديمة... بيتنا البسيط المفتوح كل غرفه على بعضها زي ا يكون بيت جحا لكن ميزته ان كلنا شايفين بعضنا... سامعين بعضنا... وعارفين نتكلم كلنا مع بعضنا...
دعاء: بس مكنش في جراج وكنا بنتعب أوي كل مرة ننزل مشوار ونرجع نلف حولين نفسنا لحد ما نلاقي خرم ابرة نركن فيه...

منال: بس متنكريش الكوميديا اللي كنا فيها... فاكرة لما عائلة عاشور كانوا عندنا وأهيلة ومحمد جوزها كانوا لسة مخطوبين لما وقف في البلكونة يتخانق مع الجيران ويتريق عليهم وينادي بصوت عالي "زيييييييييييكووووووو... ززيييييييييييييييييييكووووووووووو..."

(زيكو دة كان ابن الجيران في العمارة اللي قصادنا وكان له أخت دندوووشة كدة وكل ما تكون راجعة من مشوار تنده عليهم في البيت باسم أخوها زيكو عشان تسألهم لو عيزين حاجة من عند البقال قبل ما تطلع)

دعاء: أيوة دة احنا اتفضحنا في العمارة يومها لما قالها بصوت عالي... "ما هو لو كان في راجل عندكم في البيت كان طلع لي... مش سايب الستات هم اللي يتكلموا.... أنا عايز راجل يكلمني"....
منال: وهي يعني سكتت له؟ ما هي كمان سمعته وصلة محترة من الكلام اللي ما يتقالش...
دعاء: عندها حق... هم اللي كانوا بيشوفوه في بلكونة شقتنا شوية؟
منال: أيوة.... يومها ردت عليه بعلو صوتها "اسم الله عليكم... شقة كلها صبيان وبنات بتدخلوا كلكم الحمام من الشباك تطلعوش غير أخر النهار"
ساعتها بس رحنا كلنا مخروسين ومحمد جوز أهيلة وجهه بقى أحمر زي الطماطم وأنا رجعتكم كلكم بايدي لورا عشان نلصق في جدار البلكونة لما الجيران كلها طلعت بلكوناتها عشان ميقدروش يميزوا هم بيوجهوا الكلا دة أي شقة بالضبط
دعاء: لها حق طبعا... ما هي شايفانا داخلين الحمام كلنا ورا بعض صبيان وبنات مبنطلعش غير أخر النهار بقى لنا أكثر من 20 يوم

فضلنا نضحك أنا ودعاء بصوت عالي مش قادرين نصدق اللي احنا عملناه زمان دة... كل دة عشان حمادة عاشور كان داخل ياخد دوش ونبهنا عليه ميقفلش باب الحمام بالمفتاح عشان الباب بايظ... بس موسى هدده انه يفتح عليه باب الحمام... قام حمادة خاف لاحسن موسى يعملها بجد وقفل بالمفتاح... طبعا الباب باظ ومعرفناش نفتحه تاني لمدة 20 يوم في تعايش سلمي كالعادة مع الواقع غير مدركين احنا الثمانية ان في اختراع اسمه نجار ممكن نجيبه يصلح لنا الباب بكل سهولة....

ولمدة 20 يوم زيكو وعائلته مش شايفين غير مشهد واحد متكرر يوميا... الثمانية صبيان وبنات يصحوا كل يوم من النوم كل واحد شايل ليفته وفرشاة أسنانه والبرنس... نطلع سلم في البلكونة وننط من شباك الحمام عشان ندخل نغسل وجوهنا وأسناننا ونتوضأ ونأخد دوش وغيره ولأن تعبنا بقى ومش كل شوية طالعين داخلين... كنا على أد ما نقدر نلزم جميعا التواجد في الحمام منخرجش غير للشديد القوي...

أما لمن يرغب في معرفة مزيد من التفاصيل فان المشهد داخل الحمام كان كالأتي:
واحد بيغسل وجهه والثاني واقف على حرف الحوض بيغسل أسنانه... وحد ثالث بينشف ويمكن حد مالي البانيو مية وصابون ونايم بيغني بس الستارة مقفولة عليه طبعا وحد خامس قاعد بيحكي مع الكل عشان مستني دوره في أي حاجة من دووول ويفضل واحد أو اثنين ملهومش مكان في الزحمة فواقفين على السلم وبيشاركونا الحديث من شباك الحمام.....

مش عارفة لو كان شباك الحمام مبيطلش على البلكونة كنا حندخل الحمام كل يوم ازاي؟!!!!
الحمد لله ربنا عارف ان تفكيرنا لم يكن ليقودنا لأكثر من استخدام شباك الحمام عشان كدة قدر لنا ان الشباك يكون بيطل على البلكونة....

عموما هي عادتنا ولا حنشتريها.... يعني احنا كنا فكرنا نصلح غسالة الملابس لما خربت مننا وفضلنا 3 أو 4 أشهر كل واحد فينا بيغسل هدومه على ايده في تشط بلاستيك وأحيانا كثيرة في الصالون وأهه بالمرة عشان نرغي ونتفرج على التلفزيون ونتسلى واحنا بنغسل.... أما أحمد فكان وقته مش فاضي للكلام دة لأنه مشغول بمعاكسة بنت الجيران من بلكونة غرفة النوم وهو واقف فوق كرسي الحمام عشان يطول يشوفها.... فكان بيدوس على هدومه بقدميه مرة يمين ومرة شمال بالتناوب في جردلين فيهم المية والصابون والهدوم زي عفاف شعيب في فيلم عربي زماااااان لما كانت بتغسل في مغسلة أو مصبغة مش فاكرة أوي....
وبعدين يشطف الهدوم وينشرهم....

ياااااااااااااه.... معقول كنا متاحف أوي كدة زمااااان؟ شريط من الذكريات مر علينا أثناء مرورنا في شارع بيتنا القديم لم يقطعه الا صوت فرامل العربية فجأة لما ظهر دريد في الشارع (ابن الجيران في الشقة اللي قصادنا) وهو خارج من العمارة....

منال: هااااااااااااااااااااااااااي دريد.... مستنيينكم بكرة انت وبهاء وطنط فاتن في السبوع... متتأخروووووش
دريد: هاااااااااااااااااااي... ازيكم... أوكي حاضر.... سلاااااااااام
دعاء: سلااااااااااااااااااااام

لقيتني بقول لدعاء "شفتي بقى... أهي دي أحلى حاجة كانت في بيتنا القديم.... انك تقابلي دريد في الشارع وتسلمي عليه"....

عمارتنا القديمة

الجيران كلهم كانوا أصحابنا... وتقريبا كانوا أطفال أصحاب أحمد أخوية الصغير في الوقت اللي كنا أنا ودعاء ومحمد في أولى سنوات الجامعة... ولكن طبعا لطبيعتنا الطفولية كنا أكثر قربا للأطفال من باقي سكان العمارة اللي يمكن يكونوا في نفس أعمارنا....
ودائما ما كان بابا يتساءل بدهشة ... "أنا عايز أعرف سر الصداقة اللي بينكم وبين عيال العمارة.... انت يا بت انت منك ليها ليها له.... فين أصحابكم اللي في الجامعة؟!!!! مش مصاحبين الناس اللي في سنكم ليه؟!!!!"

الاجابة كانت أبسط من أن يندهش بابا أوي كدة.... بكل بساطة... لأن احنا من جوانا مازلنا أطفال... فطرتنا سليمة فلا مكان للكذب أو التلون في شخصياتنا... لما بنحب حد بنحبه بجد... حب غير مشروط.... من غير مصالح... بنزعل بسرعة وننسى ونتصالح برضه بسرعة... زي الأطفال بالضبط... عشان ملناش في التلميحات ولا الكلام بين السطور.... الأطفال كمان كدة بيحبوا بكل براءة وصدق... وهم أكثر فئة عمرية قادرة على فهم كلماتنا وتصرفاتنا كما هي... دون أي شكوك أو ظنون....
عشان كدة كانوا أصحابنا أوي.... لدرجة ان مرة بابا دخل الشقة لقى ابن الجيران الطفل الصغير واسمه "معن" قاعد في الصالة وفاتح التلفزيون وبيتفرج لوحده في هدوء... بابا سأل صفاء الشغالة
بابا: أمال فين منال ودعاء؟
صفاء: لسة في الجامعة
بابا استغرب أوي وسأل ابن الجيران
بابا: أمال انت قاعد هنا بتعمل ايه؟...
معن: مستني منالوتي ودعاءووتي لما ييجوا عشان ألعب معاه
بابا: قوم يا ولة روح بيتكم ولما ييجوا حبقى أنده لك

يا عيني الواد معن أخد بعضه ونزل وهو مدلدل قفاه اللي لازم ياخد له كف خفيف كدة من بابا في كل مرة يمشيه فيها من البيت...
وبالرغم من كل دة... كان كل أطفال العمارة يوموتوا في حاجة اسمها "عمو موسى" لأنه كان بيعمل كل دة بحنية وأبوة شديدة جدا لا تخلو من الضحكات الساخرة أحيانا....

دريد وحاتم وبهاء أولاد الجيران في الشقة اللي قصادنا... خضر ومازن ومهند ومعن ووديان ولاد طنط وهيبة (اللي كانت متولية مهمة اطعامنا الحش اللذيذ) في الشقة اللي تحتنا
بقية الجيران كانوا مانعين عيالهم يصاحبونا ولو ان العيال كان نفسهم ينضموا للنادي المفتوح 24 ساعة في شقتنا.... بس أهاليهم كانوا شايفين اننا عيال أشقياء وعائلة عاشور...وصبيان وبنات... داخلين خارجين من غير أب وأم في البيت يشكمونا....

أما احنا بدورنا كنا في غاية الاستمتاع بصداقة أطفال العمارة... ليه لأ وهم كانوا مدلعيننا أخر دلع... يسرحوا لنا شعرنا ويهرشوا لنا ظهرنا ويعملوا لنا مساج ويحكوا لنا حواديت ألف ليلة وليلة بتاعتهم دي قبل في السرير لحد ما نروح في النوم ويغطونا ويطمنوا علينا وبعدين يرجعوا لأهاليهم بقى....
واستمر الوضع دة سنوات طويلة لحد ما الأطفال دول نفسهم كبروا ودخلوا الجامعة وكمان في منهم ارتبطوا بقصص حب واتجوزوا ولسة كلنا أصحاب لحد دلوقتي....